رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

رحلة الفرعون.. كيف نجح صلاح في اعتلاء عرش إفريقيا 2017؟

الكابتن

قبل 12 عامًا قرر «صلاح غالي»، أحد أبناء قرية «نجريج» التابعة لمدينة «بسيون» بمحافظة الغربية، أن يحقق حلمه القديم، وأن يبذل كا ما في وسعه من أجل رؤية نجله في المكانة التي فشل أن يصل إليها هو شخصيًا حين كان صغيرًا.

ملً الرجل من إرهاق ومشقة الطريق من «بسيون» إلى «المحلة» التي يذهب إليها يوميًا لإلحاق طفله «محمد» بفريق «البلدية»، لكن الأمل دبً في نفسه من جديد عندما علم بوجود أكاديمية نادي «المقاولون العرب» فى مدينة طنطا، ليبدأ فيها الطفل الصغير أولى فصول أجمل رواية في حاضر المصريين اسمها «محمد صلاح».

كل أماني «الحاج صلاح غالي» - كما يناديه أهل قريته- اقتصرت على رؤية نجله يلعب لأحد أندية الدوري المصري، ويجلس أمام التلفاز يشاهده ويتحاكي به وسط الأهل والأقارب، لم يدرٍ أبدًا أن سهره وسفره وتعبه كان مقدمة لحدث سيغير مصير وأقدار المصريين، ولحكاية ستبقي خالدة تتوارثها الأجيال وتتحاكي بها الكتب والصحف والقنوات.

غدًا تدخل الحكاية الأجمل في حياة المصريين عهدًا جديدًا عندما يقف نجم ليفربول محمد صلاح علي منصة الاتحاد الإفريقي خلال الاحتفالية التي ستٌقام بمدينة «أكرا» الغانية، لتتويج الفرعون حاكمًا وملكًا على عرش القارة السمراء .

الكرة البسيطة.. سر أبناء كرويف الذي أجاده ميسي وانتقل إلى النجم المصري

عندما يتحدث الأسطورة بيب جوارديولا عن ليونيل ميسي تشعر بعينين ممتلئتين بالدموع عشقًا، وفي كلماته تلمس إعجاب طفل مغرم لا يليق بمؤسس ومبدع كرة القدم الحديثة، وإذا سألته عن سر هذا الساحر الأرجنتيني تجده ليس لغزًا أو أمرًا محيرًا: «البساطة».

يقول بيب جوارديولا:«ليونيل ليس أفضل لاعب في العالم، لأنه قادر علي مراوغة 4 أو 5 مدافعين وتسجيل الهدف بهذا الشكل المتكرر، بل لأنه يؤدي الأشياء السهلة أفضل من أي لاعب آخر» .

ويضيف «جوارديولا»:  «تعلمنا في (لامسيا) علي يد يوهان كرويف، أن أصعب شئ هو القيام بالأمور السهلة بإتقان، وسرنا على هذا النهج، نلعب السهل الممتنع لكننا نُتقنه أكثر من أي فريق أخر، فصرنا الأفضل في العالم».

طالت المقدمة، لكنها باختصار شديد هي سر ليونيل ميسي اللاعب الأفضل في التاريخ، وسر بيب جوارديولا المدرب الأفضل في التاريخ، وسر محمد صلاح، اللاعب الأفضل في تاريخ افريقيا، بمشيئة الله، وسر عموم الحياة.. «البساطة».

ربما يتفوق شيكابالا ورمضان صبحي على «صلاح» في المهارات الفردية، ومؤكد أن تريزيجيه وأحمد فتحي أكثر منه قوة، لكنه يتميز عنهم جميعًا ببساطة أسلوبه في اللعب، يتحرك كثيرًا، ويتمركز بصورة جيدة، يمرر لأقرب لاعب بشكل مباشر ولا يبحث عن التعقيد.

كرة القدم ليست شيئًا صعبًا، وليس أمرًا غامضًا، أمن صلاح بذلك، وصار يقين لديه، فطاوعته وبحثت عنه أينما ذهب، ليسجل ويصنع الفرحة دائما، بينما يبحث «شيكا» و«رمضان» عن الخصوم لاستعراض مهاراتهما، ويفضلان المراوغات والجماليات أكثر، ويسعيان إلى «الكوبري» و «البدال» أو الوقوف علي الكرة لخطف الآهات، والشير واللايكات، فتدنى عطاءهما رغم عظمة موهبتهما.

عندما ذهب إلى نادي بازل السويسري في سن مبكرة، لم يخشي الغربة في بلد لا يعرفها، لا يرافقه فيها صديق أو قريب، لم يقل أن الدوري المصري أقوي من الدوري السويسري الضعيف، مثلما سخر عدلي القيعي من عصام الحضري عندما هرب إلى «سيون» منذ 10 سنوات، لم يتعجل العودة ويهرب من الوحدة كما هرب عشرات النجوم  وعادوا فاشلين من رحلة الإحتراف.

عندما جاء عرض «بازل» إلى «المقاولون العرب»، قرر صلاح أن يعتلي سلالم المجد بالخطوة الأولى، ولم ينتظر القفز إلى قمة «البريميرلييج» بـ «البراشوت» كما انتظر متعب طويلًا فسقط بين الصغار مؤخرًا .

حمل حقائبه وانتقل إلى سويسرا، لم تكن عينه صوب لندن ومدريد من البداية، فهو رجل بسيط ابن رجل بسيط، انتقل بالبساطة من المنزل إلى الشارع، ومنه إلى المستطيل الأخضر، يخطو الخطوة تلو الأخري دون حسابات وتعقيدات، عمل من اللحظة الأولي علي تحقيق أهداف فريقه السويسري ونجح في قيادتهم إلى تحقيق ما أرادوا،  فنال ما أراد من العروض الكبيرة في لندن ومدريد وميلان، حتى بدأ الجميع يسعى لخطف اللاعب الشاب الصاعد بقوة الصاروخ.

عندما انتقل محمد صلاح مؤخرًا من روما الإيطالي إلي ليفربول الإنجليزي كان يُعاب عليه قلة مراوغاته، وربما يراه الكثيرون لا يُجيد المراوغة من الأساس، ورغم ذلك جاء إلى «الريدز» كأغلي صفقة في تاريخ الفريق العظيم.

جاء فقط لأنه يحقق الأهداف المرجوة بطريق أيسر وأسهل، وتعلم فلسفة الكبار، فالكرة لا تحتاج لساحر يراوغ نصف الفريق، أو مصارع يزيح كل من يقابله، بل تحتاج للاعب يجيد تقديم أساسيات كرة القدم التسليم، الإستلام، التحرك، بإتقان، هذا هو السر الذي قال عنه يوهان كرويف، وحققه جوارديولا فكان لاعبه ميسي الأفضل في التاريخ، وعلى خطاهم يسير المصري صلاح، فهل يستفيد اللاعبون المصريون من الدرس؟

من ضربة جزاء المونديال لـ «صاروخية غانا».. 5 مشاهد صنعت مجد «بيكاسو»

كان «2017» هو أهم عام في تاريخ محمد صلاح، وربما في تاريخ الكرة المصرية، لكونه حافلاً بالانتصارات الكروية، وارتفع فيه اسم مصر في ملاعب أوروبا والعالم، وتغنت الصحف والمواقع في كل مكان بمنتخب «الأحمر والأبيض والأسود».

مشاهد كثيرة خلال هذا العام صنعت أفضل مواسم صلاح، وجعلته المرشح الأول لنيل جائزة اللاعب الأفضل في إفريقيا، كان أهمها علي الإطلاق لقطة ضربة الجزاء التي سجلها في الدقيقة الأخيرة أمام الكونغو ليعود بالفريق المصري إلى نهائيات كأس العالم للمرة الأولي منذ عام 1990.

ثاني المشاهد التي لن ينساها المصريون للفرعون في هذا الموسم هي لقطة سقوطه علي أرض الملعب عندما استقبل مرمي عصام الحضري هدف التعادل الكونغولي قبل نهاية المباراة بدقائق، لقطة سقط فيها صلاح في وسط الملعب وسقطت فيها قلوب مائة مليون مصري، ثم نهض وقفز يشجع زملائه ويطلب منهم التقدم واستكمال المباراة.

ارتدى صلاح بهذه اللقطة ثوب القائد العظيم المحفز، قبل أن يعود بعدها بدقائق ويختم المشهد بلحظة بكي فيها برج العرب، وتحولت مدرجاته إلى بحور دموع من الفرحة والسعادة ورسم بأقدامه علي وجوه الجمهور العاشق أجمل لوحات الكون، فجعل من الجمهور أنفسهم أبطالًا تتغني بهم المواقع وتستقبلهم الفضائيات.

ثالث مشاهد صلاح العظيمة في هذا العام، كانت في مباراة فريقه ليفربول أمام ماريبيو السلوفيني، عندما سجل أول هاتريك له ولأي لاعب مصري  في دوري أبطال أوروبا البطولة الأهم علي مستوي الأندية في العالم، ونجح في منح فريقه ليلتها فوزًا عريضًا بـ 7 أهداف.

رابع المشاهد الكبيرة هي تسجيله الهدف رقم 11 في بطولة الدوري الإنجليزي وكان أمام ستوك سيتي في المباراة التي سجهل فيها هدفين، ليتصدر ترتيب هدافي البطولة المحلية الأقوي في العالم لأول مرة متفوقًا علي هاري كين صاحب الـ10 هدف وقتها، ويصبح حديث الصباح والمساء في بلاد الإنجليز ومعه يرتفع طموح المصريين إلى السماء :« ننتظرك في مدريد وبرشلونة يا مو» .

خامس المشاهد التي تركت أثرًا كبير لدي المصريين هي الكرة الثابتة التي سددها صلاح بقوة الصاروخ أمام منتخب غانا في بطولة أمم إفريقيا الأخيرة والتي كانت مفتاح الصعود إلى الدور التالي ثم الوصول إلى نهائي البطولة التي غاب الفراعنة عن المشاركة فيها  3 مرات متتالية.


كوبر وكلوب وصاحب نصيحة «الريدز».. 3  ساهموا في الإنجاز

لن ينسي صلاح بالطبع من ساهموا في ظهوره بهذا الشكل العظيم خلال الموسم المنقضي، لكن هناك شخوص بعينهم يجب أن يعرف أنه شركاء حقيقيون فيما وصل إليه.

أول شخص يستحق التحية والشكر من صلاح هو الشخص الذي نصحه بالانتقال إلى ليفربول، وجعله يفضل عرض الفريق الإنجليزي عن باقي العروض في إيطاليا وإسبانيا، فكان الإختيار الأفضل في التوقيت المثالي.

ثاني الأشخاص الذين أثروا في مسيرة الفرعون هذا العام، هو يورجن كلوب، فهو سر تطور اللاعب بعد إعادة توظيف أدواره وعلاج جوانب القصور التي كان يعانيها مع روما، فلم يعد صلاح ذلك اللاعب الذي يظل ملتصقًا بالخط لا يفارقه لحظه وينتظر الكرة الطويلة خلف المدافعين للتسجيل.

وتحول مع كلوب إلى لاعب جديد يمكن أن يلعب في عمق الملعب ووصل الأمر إلى توظيفه في مركز رأس الحربة الوهمي تمامًا كما فعل بيب جوارديولا مع ليونيل ميسي، فنجح في استخراج كل الطاقات منهه وإظهاره في أفضل الصور، وصار لاعبًا متطورًا يقوم بأدوار جديدة ساعدته في التألق والمنافسة علي لقب هداف دوري في العالم.

ويأتي الأرجنتيني هيكتور كوبر كثالث أكثر الشخصيات تأثيرًا في مسيرة محمد صلاح هذا الموسم، بداية من بناء فلسفته وإستراتيجية لعبه على صلاح، وهو ما جعل من مصر «منتخب صلاح»، وسخر جهود الجميع للتخديم علي النجم الأول وربما الأوحد، فكان طريقته هي الحل الأمثل لصناعة الحدث الأهم، وجعل صلاح عريس الحفل.

لعب الأرجنتيني بحسابات برجماتية، وشكل تكتيكي هدفه حصد النقاط بأقصر الطرق، فأسهمت خطته في إظهار صلاح بطلًا ونجح في الوصول إلى كأس العالم، في حين حرم مدربون كُثر نجوم أفارقة كانوا ينافسون صلاح علي جائزة الأفضل في إفريقيا، من الوصول إلى كأس العالم بفضل أساليبهم التكتيكة غير الجيدة فقلت فرصة بعضهم وانعدمت فرص أخرين.