رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

حلم بلد.. كيف يصبح صلاح «الأفضل فى العالم»

محمد صلاح
محمد صلاح

قبل وصوله إلى ليفربول، كانت الشكوك تحوم حول محمد صلاح.. هل سينجح مع «الريدز»، أم أنها مغامرة قد تنتهى بقصة فشل جديدة للفرعون فى «البريميرليج»، كما كانت الأولى فى لندن مع تشيلسى؟.

كان الحديث فى الحوارى وعلى المقاهى الصيف الماضى مقتصرًا عن الأمل، فى أن يسير محمد صلاح على خطى الجزائرى رياض محرز والمغربى مروان الشماخ. باختصار شديد كان الحلم أن نجلس لنتابع لاعبًا مصريًا بين كبار الإنجليز، قبل أن يتفاجأ الجميع، ويتفاجأ صلاح ذاته بأنه تخطى جميع العرب، وصار مكانه الطبيعى بين أساطير العصر، ليونيل ميسى وكريستيانو رونالدو. بالأمس تُوج صلاح زعيمًا على عرش الكرة الإفريقية بعد تتويجه بجائزة «الأفضل فى إفريقيا»، المقدمة من الاتحاد الإفريقى لكرة القدم، متفوقًا على ساديو مانى وبيير أوباميانج.. فكيف حقق ذلك؟، وماذا ينتظره فى المستقبل؟، ومتى يتفوق على رونالدو وميسى؟.. هذه وغيرها من التساؤلات تُجيب عنها «الكابتن» فى التقرير التالى:

 

ليست الأرقام وحدها.. الفاعلية وتعويض قصور الزملاء وضعا «الفرعون» على العرش

استحق محمد صلاح بما لا يدع مجالًا للشك أن يكون الزعيم فى إفريقيا، رضى بذلك واستسلم منافسه السنغالى ساديو مانى، ورضخ أمام الأرقام الجبارة التى قدمها «الفرعون» فى موسم استثنائى. فى النصف الأول من عام ٢٠١٧ نجح صلاح فى قيادة فريق العاصمة الإيطالية روما للحصول على المركز الثالث بالدورى الإيطالى وحجز مقعدا أوروبى بدورى المجموعات دون المشاركة فى دور الملحق، وتمكن من تسجيل ١١ هدفًا.

وفى ليفربول قدم صلاح أفضل بداية للاعب فى صفوف النادى الأعرق فى بلاد الإنجليز، وتمكن من تسجيل ٢٣ هدفًا وصناعة ٨ أهداف أخرى، فى أقل من نصف موسم وأصبح منافسًا قويًا على لقب هداف الدورى مع النجم هارى كين. لم تكن الأرقام وحدها سر فوز صلاح بالجائزة، فالنجم الجابونى إيميريك أوباميانج، لاعب بروسيا دورتموند الألمانى حصل على لقب هداف الدورى الألمانى بتسجيله ٣١ هدفًا، تفوق بها على ليفاندوفيسكى، نجم بايرن ميونخ، لكنه لم يكن بنفس فاعلية صلاح، سواء لأنديته أو لمنتخب بلاده. سيرد البعض بأن النجم الجابونى ضحية ضعف ناديه ومنتخب بلاده، لكن الواقع يقول غير ذلك تمامًا، فلا مبرر يقبله عقل عندما يفشل نجم بقيمة وحجم أوباميانج فى قيادة منتخب بلاده إلى الدور الثانى ببطولة أمم إفريقيا، رغم إقامتها على أرضه ووسط جمهوره.

سيعود المشكك ليرد: هذا لضعف زملائه، لكن إذا نظرت لمن يلعب بجواره وقارنت ماريو ليمينا، لاعب اليوفى السابق، وساوثهامبتون الحالى، وإيفونا من جهة، مع من يجاور صلاح مثل عبدالله السعيد - مع كامل احترامنا لنجم الأهلى- وتريزيجيه، لاعب قاسم باشا، ستجد أن صلاح نجم يقدر على تحمل أعباء فريق بالكامل، مهما تولدت الثغرات وجوانب القصور، فى حين يحتاج أوباميانج لفريق متكامل كى يحقق النجاح المرجو.

هنا تبرز وتتضح قيمة وفاعلية محمد صلاح كنجم قادر على إخفاء العيوب وسد النقص، فمهما عانى الفريق المصرى من السوء، وغاب عنه على مدار عامين كاملين وجود مهاجم صريح قادر على حجز مقعده بشكل متكرر، ستعرف جيدًا أن مقولة «منتخب محمد صلاح» لم تكن عبثًا بقدر ما هى حقيقة تعبر عن واقع. صلاح برهن على قوة شخصيته وتأثيره الكبير منذ اللحظة الأولى له فى ليفربول، فرغم وجود الكثير من النجوم أمثال البرازيليين فيليب كوتينيو وفيرمينيو، والسنغالى مانى، إلا أنه صار فى فترة وجيزة اللاعب الأكثر تأثيرًا بين هؤلاء، بسبب فاعليته على مرمى الخصوم.

أبرز ما ميز صلاح فى ٢٠١٧ هو لعبه المباشر على المرمى، وبحثه الدائم عن دخول مناطق الخصم، فبعدما كان ملاصقًا للخط، أصبح يحب عمق الملعب أكثر، يبحث عن الدخول بالمناطق الخطرة، لم تعد لعبته المفضلة الدخول والتصويب من على حدود مناطق الجزاء فحسب، بل بات قادرًا على التمركز فى العمق ومراوغة خصومه بكرة وبدون كرة، فأصبح أكبر خطر يمكن أن يواجه أى خصم فى إنجلترا .

 

الخروج من الدورى الإنجليزى «جريمة» وجوارديولا أفضل من زيدان

بعد تألقه اللافت فى انطلاقته مع «الليفر»، كثر الحديث عن العرض المقدم إلى محمد صلاح من ريال مدريد الإسبانى، لكن قرار الخروج من «البريميرليج» فى هذا التوقيت سيكون بمثابة جريمة لنجم فى مرحلة النضج مثل صلاح لأسباب عديدة.

أول الأسباب، التى تدفع صلاح للتمسك بالبقاء فى دورى الإنجليزى، هو أنه مع نهاية الجيل الذهبى لـ«البارسا» وقرب خروج رونالدو وميسى من «الليجا»، فإن زمن الإسبان قد ولى، وتبدت فى الأفق ملامح عودة الإنجليز للسيطرة والهيمنة على الكرة الأوروبية مجددًا.

بعد ثورة تغيير المدربين فى الدورى الإنجليزى بقدوم بيب جوارديولا وتألقه مع السيتى، وطفرة أنطونيو كونتى، الذى استحدث طرق لعب مع تشيلسى، وما يحرزه يورجن كلوب من تطور كبير فى أداء «الليفر»، وتغير شكل اليونايتد مع مورينيو، وغيرهم مع باقى الأندية، بات واضحًا للجميع أن الزمن المقبل للأندية الإنجليزية.

وعادت الأرقام تعلو فى سماء لندن وباقى مدن بريطانيا، فأصبحنا كل أسبوع على موعد مع كسر رقم جديد، فيما يتعلق بالصفقات، بدءًا من بوجبا، الذى جاء لليونايتد بمبلغ خيالى، ثم انضمام والكر إلى السيتى كأغلى مدافع فى العالم، محطمًا رقم زميله السابق فى نفس الفريق قبلها بعام جون ستونز، ثم ضم ليفربول لـ«فان ديك» مقابل ٦٥ مليون يورو كأغلى مدافع فى التاريخ، وبعد أشهر قليلة فى الصيف المقبل وربما هذا الشتاء سيتم كسر الرقم، حيث مازال السيتى واليونايتد يبحثان عن تدعيم صفوف الدفاع.

خلاصة القول مما استعرضناه، أن الأندية الإنجليزية قادمة للإنفاق ولن تصبح «مفرخة لاعبين» للبارسا والريال، كما كانت فى الـ١٠ سنوات الأخيرة، وهذا ما كشفته إدارة ليفربول بعد رفضها لرقم خيالى للتخلى عن كوتينيو لصالح «البارسا»، وهذا يكشف لصلاح أن القوة ستكون فى إنجلترا، وأن السياسات الجديدة ستنعكس على كل الأندية، وبالتالى نجومها ونتائجها فى المحافل الأوروبية.

ثانى الأسباب، التى تدفع صلاح لإطالة عمر البقاء فى ليفربول، هو تطوره على يد مدربه الحالى، عوضًا عن حالة الاستقرار الكبيرة والثقة التى يتمتع بها داخل الملعب وفى المدينة، التى صارت تعشق الفرعون، وهذا يمهد لنتائج أفضل على المدى القريب، على أقل تقدير.

يعيش صلاح فى مرحلة النضج، وما بين الـ٢٥ عامًا والـ٢٨، يقدم لاعب كرة القدم أفضل ما لديه، وتتطور موهبته إذا ما وظفها بشكل جديد، وبقاء صلاح عامًا آخر مع الليفر سيضيف إليه الكثير. يحتاج صلاح أن يضع فى حساباته أن تكون المحطة المقبلة - إذا كانت هناك محطات أخرى- مع مدرب يُعطى الإضافة وفريق يتمتع بالاستقرار، وفرص فوزه بالبطولات كبيرة مقارنة بخصومه المحليين على أقل تقدير، وهذه أمور ومعايير تجعلنا نقول بأن أنسب فريق يمكن أن يكون محطة للصعود هو مانشستر سيتى، الذى يقدم أداءً أرعب كل الإنجليز وينعم باستقرار منقطع النظير، ويخطط مسئولوه لمشروع يمتد ١٠ سنوات، بدأ الموسم الماضى، كما أن فرص التطور مع بيب جوارديولا مضمونة تمامًا.

فى السيتى لا يلعب سوى ليروى سانى ورحيم ستيرلينج فى مركز الجناح، فى حين يحتاج بيب إلى جناح ثالث بنفس السرعة والقدرات، ويعطيه صلاح ميزة إضافية، حيث يستطيع لعب دور المهاجم الوهمى، الذى أبدع فيه ميسى، وهنا ربما تكون المحطة التى تضع صلاح زعيمًا للاعبى العالم وتمنحه التفوق على رونالدو وميسى مستقبلا.

إذا أراد صلاح التطور فعليه البقاء مع كلوب قليلًا، وإذا بحث عن الانتقال فـ«جوارديولا» هو الذى سيجعله الأفضل فى العالم، بينما عند زيدان ستكون الأمور مغايرة مع فريق يتساقط، وسيعانى فى السنوات المقبلة، وتكوين فريق جديد ربما يحتاج وقتًا طويلًا، بالإضافة إلى أن زيدان ليس بالمدرب الذى يطور لاعبيه، فلا يهمه سوى حصد النقاط الثلاث.