رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

صقر الصعيد.. كيف هزم الطفل أحمد حسن المستحيل ؟

الكابتن

فى مدينة مغاغة بمحافظة المنيا، يتعامل الناس مع اسم النجم أحمد حسن باعتباره الرمز والقدوة، ويصنفون إنجازاته ونجاحاته على  أنها أقصى ما يمكن أن يصل إليه بشر. 

«ربنا يكرمك زي ما كرم أحمد حسن»، دعوة تلازم كل الأمهات والآباء في كل البيوت هناك، فالجميع هناك يرون أي نجاحات إلى جوار أحمد حسن، لا شيء.

يرى البعض أن هذا شيء طبيعي، فعندما يبرز شخص في مكان بسيط يتحول لقدوة ورمز، لكن الحقيقة تقول أن «حسن» لم يكن استثناءً، وأن مغاغة ذاتها أنجبت عميد الأدب العربى طه حسين، ورغم ذلك لا تجد أبًا ينصح ابنه أن ينتهج خطى الأديب الكبير.

كما أنها بلد الفنان حكيم، ونجوم كبار في كرة القدم، أمثال عماد النحاس نجم الإسماعيلي والأهلي السابق ومحمد فتحي حارس مرمي الإسماعيلى، وأشرف يوسف نجم الزمالك السابق، وآخرون، إذ وصل عدد من مثلوا هذه المدينة في الدوري الممتاز إلى 250 لاعبًا.. فما السر في «حسن» تحديداً؟


1- توقف عن اللعب سنتين بسبب «الجبلاية».. 15 دقيقة أمام أسوان غيرت حياته.. وفضل الإسماعيلي على القطبين
يعكس ارتباط أهل مغاغة وعلاقتهم بـ«الصقر» قصة نجاح مختلفة، مرت عبر تحديات كثيرة لم تنكشف أهم تفاصيلها بعد، وتحتاج إلى عمل سينمائى -أعرف أن العميد كان يسعى لذلك حتى وقت قريب-  يوثق ويوضح كيف يكون الاجتهاد والإصرار والالتزام، الطريق الأبرز لاعتلاء سلالم المجد والتفوق علي أي موهبة، مهما كان حجمها.

في صغره، كان باديًا للجميع، هناك في قطاع ناشئي مركز شباب مغاغة، أن الطفل أحمد حسن صاحب مهارات رائعة وشخصية قوية للغاية، لكنه لم يكن صاحب الموهبة الأبرز والأضخم داخل هذا القطاع المليء بعناصر، كانت حديث مصر وقتها.

فى ذلك القطاع ومع نهاية ثمانينات القرن الماضي، اشتعلت معركة بين القطبين علي الناشيء محمد رمضان فاز بها الزمالك، وكان لصانع الألعاب ميرون صبحى الذى انضم للزمالك أيضًا في تلك الفترة حكايات، حينما مثل منتخب مصر في كأس العالم للخماسي بألمانيا، واعتبر تعويضًا لرحيل رضا عبدالعال إلى الأهلي، ومثله وليد إبراهيم الحارس الذى خطفه الزمالك قبل أن يرحل للترسانة، كما رحل عماد النحاس إلى أسوان ثم الإسماعيلي ومعه محمد فتحى.

الأهم بالنسبة لقصتنا أن بطلها أحمد حسن لم يكن في هذا القطاع البطل، أو النجم الأكثر بروزًا بين تلك المواهب المتعددة.

من هنا كانت الحكاية، فكيف انتصر أحمد حسن على كل هذه المواهب، رغم أنه جلس في منزله قرابة عامين، وانقطع عن ممارسة الكرة في نهايات الثمانينات بفعل قرار «أحمق» من اتحاد الكرة.

القرار يشترط بأن يبدأ قيد فريق مواليد 1975 بدءًا من أغسطس، بينما كان «الصقر» مواليد مايو، فاضطر لترك الملاعب في سن 16 سنة، قبل أن ينقذه –وينقذنا- القدر بعدهما بسنتين، ويتم فتح القيد لسنة كاملة، لكى يعود معها «العميد»، وتبدأ واحدة من أهم القصص التي سطرت تاريخ الكرة المصرية في عهدها الحديث. 

فى هذه المرحلة، بدأ «حسن» يسترجع فورمته، فتألق في القطاع حتى صعد إلى الفريق الأول وعمره 19 سنة، وفى أول مشاركة له كانت أمام أسوان وفي حضور رئيس النادى،  لعب «الصقر» ربع ساعة فقط، كانت كفيلة لأن ينتقل إلى مرحلة جديدة تقوده إلى سلالم المجد، فعبر إلى أسوان وعندما تلقى عروضًا من الأهلي والزمالك كان ذكيًا للغاية، ففضل الإسماعيلي لكي يشارك ويتطور ويبرز أكثر، وهو ما كان.

هنا دروس وعبر كثيرة يمكن الخروج بها، فعندما عاد أحمد حسن، ووجد كل زملائه في القطاع رحلوا إلى الأهلي والزمالك وأندية أخرى، وانضم بعضهم إلى منتخبات الشباب، كان هذا كفيلًا بأن يقتل طموح أي ناشيء، لكنه كتب تاريخًا عنوانه الرئيسي :« أنا هنا.. الصقر». 

أحمد حسن صاحب الجسد الضعيف في مراحل الناشئين، لم يمتلك سوى سلاحين، الذكاء والإصرار، وكان هذان السلاحان كفيلين، لهزيمة مواهب كان الجميع ينتظر منها الكثير، فلم نرى بعد ذلك صديقه محمد رمضان، الذى قال عنه جمال عبدالحميد إنه خليفته، ولم نشاهد ميرون صبحى الذى اختاره الأبيض ليعوض رضا عبدالعال، بل رأينا الصقر أحمد حسن عميدًا للاعبي العالم، وقائدًا لأهم جيل في تاريخ كرة القدم المصرية، لذلك استحق أن يكون الحلم الذى يراه الجميع، في يقظتهم قبل منامهم.


2- سبق تريكة وصلاح في رعاية «الغلابة».. ابنه الأوسط «نسخة منه» يلقب بـ«بيبو».. والأكبر «غاوي تصوير ومزيكا»
الجميع في بلده يعشقونه لدرجة الجنون والهوس، لكن علي المستوى الإنسانى فإن ما يقدمه أحمد أحسن لأهالي مغاغة بمنأى عن الإعلام والظهور و«الشو» لم يقدمه لاعب في مصر، وسبق أبو تريكة وصلاح في إنشاء مؤسسات رعاية الفقراء، وسد احتياجات من حوله قدر المستطاع.

في مغاغة، وضع أحمد حسن قبل سنوات طويلة جدًا رواتب ثابتة للفقراء، في خطوة لم تجد صدى إعلاميًا كغيره، وأسس جمعية مهمتها تزويج غير القادرين، فلا عروس في مغاغة متعثرة إلا وكان الحل عند «العميد»، ويسهم في علاج المرضى ومساندة كل من يترك بابه، فهو -كما يعرفه الجميع هناك- «بحر خير» لا يتوقف أبدًا.

مع إخوته، الست بنات، كان خير سند وعون، وقدم لهم ما يجعلهم سعداء مكرمين طوال حياتهم، ولا يزال «الضهر» الذى يستندون عليه.
أما أسرته الصغيرة، فتزينها الجميلة «ملك» أصغر أولاد «العميد» الثلاثة، بجانب «الحسن» و«الحبيب»، فرغم صغر سنها إلا أنها الطفل الشقى الذي يملأ حياته حركة وخفة ورشاقة، ويتراقص معها قلبه، كما تصنع ضحكتها بهجته دائمًا.

«الحبيب» -والذي يُحب أن يُناديه الجميع «بيبو»-  هو مشروع لاعب كرة قدم رائع، يمتلك مقومات جسدية وبرجل أفضل مما كان عليه الوالد، وورث عنه الإصرار والقتالية والطموح ذاته.

اختار «الحبيب» منذ صغره أن يلعب في مركز الجناح الأيمن، ولمن شاهده فإنه يمتلك مهارات رائعة وحركة وذكاء، يجعلونه شديد الشبه بوالده في الملعب، رغم أن النجم الكبير لم يتدخل لاختيار كرة القدم طريقًا لـ«ببيو»، الذي يلعب حاليًا لـ«وادي دجلة».

أمام الابن الأكبر «الحسن»، فلم يُحب كرة القدم، لأن الجميع يعامله على أنه نجل النجم الأسطورى الخارق، ولأنه صاحب شخصية مستقلة رفض من البداية أن يكون لاعبًا، وأن تطارده تبعيته لولاده، لذلك أبلغ «العميد» من البداية أن كرة القدم ليست هوايته، وأن لديه في الحياة ما يحب أن يمارسه، في اتجاهات أخري بعيدة عن الوالد. 

يُحب النجل الأكبر للعميد هواية التصوير، ويعشق «المزيكا»، ويخلق مع شقيقه «الحبيب» حالة من المنافسة وأجواء مشاكسة حميمية داخل البيت الكبير لـ«العميد»، الذي صار ملعبًا يستمتع فيه «الصقر» بتبارى أولاده الدائم.

يعشق «العميد» النقاش في كرة القدم مع «الحبيب»، فهو لا يوافقه الرأي ولكنه يعشق عناده واختلافه معه، لكن الصغيرة «ملك» عندما تحضر تلغى أي أحاديث وتطغو شقاوتها علي كل شيء في البيت الكبير.

في المناسبات والأعياد، لا زال أحمد حسن بارًا بماضيه، يعود لأصله، ويجمع أهله وأحبابه، ويكون بيته ملتقىً لكل الرفاق القدامى، فبابه مفتوح للجميع، يستعيد معهم الذكريات الجميلة وينسى كل الإنجازات التي صنعها في أعظم ملاعب أوروبا وإفريقيا أمام تلك المشاعر التى جمعته مع أصدقاء الطفولة.