رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

رونالدو مصر.. كيف هزم الإعلام أسطورة محمد زيدان ؟

الكابتن

فى سن الـ16 من عمره، اصطحبه والده خلال رحلة إلى الدانمارك، فقد كان الأب والأم معتادين على السفر والتنقل في بلدان أوروبا بشكل دائم، لطبيعة عملهما، حيث بدأت حكاية نجم كبير شهدت أوروبا تألقه، وسلبه الإعلام المصري حقه فى متابعة ما قدمه، على خلاف كثير من النجوم المعروفين بصداقتهم لكبرى المنافذ الإعلامية.

محمد زيدان، أحد أبرز مهاجمي الكرة المصرية، والذي عاش مسيرة كروية احترافية فريدة، تجعله من أساطير اللعبة في مصر، وأحد أبرز «الفراعنة» الممثلين لها في أوروبا.

1- مهاجم عصري.. يجمع بين التهديف والمهارة.. و«مبحبش أظهر» وراء عدم إنصافه

حلم الشاب البورسعيدي «زيدان» باللعب في أوروبا، لكنه لم يمتلك طرف الخيط وبداية الطريق، ولأن والده لم يكن لديه وقت لمساعدته، قرر بنفسه أن ينزل شوارع العاصمة الدانماركية كوبنهاجن، يجوبها شمالًا وجنوب، يسأل المارة :« هل توجد أندية لممارسة كرة القدم هنا؟»

فى عملية البحث لم يستهدف زيدان ناديًا بعينه، ولم يسع للعب مع فريق ذي اسم كبير، كان كل هدفه أن يبدأ فقط، يبدأ من أي مكان.

عندما جاءه الجواب من أحد المارة:« هنا نادى B93»، وهو ضمن أندية الدرجة الثانية في الدانمارك، بجرأة كبيرة لا يمكن أن يقبل عليها شاب في عامه الـ 16، دخل زيدان النادى، وذهب إلى مدرب به ليفتح لنفسه الطريق الذى مهد لمشوار عظيم: « أنا شاب مصري، غير مقيد في نادٍ، أحلم باللعب هنا في أوروبا، وعمرى 16 سنة، هل توجد فرصة لمشاهدتي»، جاءه الرد سريعًا :« أنت تلعب تحت 17 عامًا، موعد تدريب هذا العمر في السادسة مساءً، يمكنك الحضور، سأساعدك» .

كان هذا الموقف البسيط، هو مفتاح انطلاق مشوار زيدان الذى لم يمتلك نفسه من السعادة فور رد المدرب، وعاد إلى منزله يُجهز ملابسه، وينظف حذاءه الذي سيشارك به في أول تدريب بملاعب أوروبا، وقبل السادسة بـ40 دقيقة كان متواجدًا بالملعب ينتظر اللحظة التى ستغير حياته وستصنع قصة بطل جديد.

تألق زيدان في شبابه وانتقل من نادٍ إلى آخر بعدها، ثم تُوج بجائزة الأفضل في الدانمارك، ووصل إلى قمة الأندية الألمانية بعدها، واستمرت إنجازاته في أوروبا ومع منتخب مصر، كما يعرفها الجميع، لكن أحدًا في بلادنا لا يُدرك قيمة ما امتلكه وقدمه زيدان، فقط لأنه لم يكن صديقًا للإعلام.

لعب لأندية بحجم فيردر بريمن وبروسيا درتموند وهامبورج، نال جائزة الأفضل في الدانمارك، وجاء ثالثًا في ترتيب أفضل اللاعبين في ألمانيا، وإلى جوار تريكة كان أفضل لاعبي الجيل العظيم، وتلقى عدة إشادات من مدرب محمد صلاح الحالي يورجن كلوب.

ومع ذلك، عندما نتحدث عن أفضل مهاجمي مصر في السنوات الأخيرة، تجد من يتحدث عن عماد متعب وعمرو زكى، وعندما يأتي ذكر صُناع اللعب وأصحاب المهارات، يقتصر الحديث عن تريكة وشيكا وأحمد حسن، رغم أن محمد زيدان هو المصري الوحيد الذى جمع في مهاراته مزيجًا من المهاجم الصريح وصانع اللعب، وقدم نموذجًا فريدًا للمهاجم، كما يجب أن يكون.

محمد زيدان هو المهاجم الوحيد في تاريخ مصر الذى يستطيع أن يبدأ اللعب من وسط الملعب، فهو قادر علي مراوغة أي خصم، ويستطيع التسديد بيمناه أو يسراه من أي مكان بالملعب، وعندما يقتحم منطقة الجزاء تجده ذكيًا للغاية، فيسجل من أنصاف الفرص، ويلعب برأسه، عوضًا عن صناعته للأهداف، هو مهاجم يُشبه الاستثنائيين، على شاكلة رونالدو البرازيلي وإبراهيموفيتش السويدي وهنري الفرنسى، لكن مشكلته أن لم يكن صديقًا للإعلام.

لدينا أزمة كبيرة في ولادة مهاجم جديد منذ سقوط متعب وعمرو زكي، ويعانى المنتخب كثيرًا في هذا المركز، هل تعرفون لماذا؟

لأن مدربينا يعلمون الناشئين والشباب أن يكونوا قناصين على طريقة مهاجمي منطقة الجزاء، مثل حسام حسن ومتعب وعمرو ذكي، رغم أن العصر الحديث لم يعد فيه مكان لمهاجمين سوى من يستطيعوا أن يلعبوا بطريقة زيدان، فعلموا أبناءنا كيف يكونوا مهاجمين علي طريقة ذلك الوهوب.

عندما سألته إحدى المذيعات عن سر غياب الهالة الإعلامية حوله، خلافًا لكثير من أصحاب الموهبة المحدودة إلى جواره، قال :« لا أحب الظهور كثيرًا، لذلك لا أحد يهتم».

واجهته بتصريح لأحمد شوبير يقول فيه :« محمد زيدان محتاج أمه تعيد تربيته»، فرد عليها :« عشان رفضت أظهر في برنامجه».. عكست تلك الحكايات التي رواها زيدان إجابة السؤال: لماذا غفلنا عما امتلكه لاعب لم تنجب مصر مهاجمًا بإمكانياته وستنتظر كثيرًا حتى يأتيها مثله؟

2- أشتينا حبه الأول.. مى قصة لم تكتمل.. وآدم غيّر حياته

بعيدًا عن الملعب، فإن محمد زيدان، رجل عملي جدًا، يركز في تفاصيل «البيزنس» الخاص به، هو يشبه والده إلى حد كبير، ويفضل البقاء في أوروبا طوال الوقت بعيدًا عن الإعلام الذى حاصره ودمر قصة حب كانت في طريقها لتبديل حياة ومعيشة النجم المصري الكبير، تلك التي شهدها مع الفنانة مي عز الدين.

يرى محمد زيدان أن الإعلام هو السبب الرئيسي في فشل ارتباطه بالجميلة مي عز الدين، والتى لا زال يحمل مشاعر طيبة وجميلة تجاهها، ويقول عن سبب انفصالهما: « في المرحلة التى ازداد اتصالي بها، تبادلنا مشاعر جميلة، وعندما قررنا أن نقترب ونتقابل مع بعضنا البعض في أماكن عامة لنتعرف أكثر، زاد القيل والقال، فقررنا أن نضع علاقتنا في إطار رسمي حتى لا تحاصرنا الشائعات».

ويضيف: «كانت هذه الخطوة يشوبها استعجال، فلم تمر علاقتنا بالإطار الطبيعي الذي يسمح لنا بأن نتفاهم أكثر ويعرف كل منا طبيعة شخصية الآخر، نحن مختلفان، فهي لها نوعية شغل خاص، وكذلك أنا تربيت في مكان وثقافة أخري 13 سنة، من هنا جاء الاختلاف ولم نستطيع الاستمرار».

انفصل زيدان ومى، لكنهما حتى هذه اللحظة لم يكشف أحدهما السر الحقيقى وراء اختلافهما، وعندما يتحدث أي منهما عن الآخر لا تجد سوى الاحترام المتبادل.

عندما سٌلت مي :« هل أنتى حزينة علي فشل زيدان في الإمارات؟»، وكان الهدف واضحًا من السؤال، وهو التعرف علي مدى تشفيها وشماتتها فيما تعرض إليه، جاء ردها مليئًا بطاقة الحب والتقدير لخطيبها السابق: «زيدان لم يفشل، هو وصل لقمة ما يمكن أن يصل إليه، حقق أشياءً عظيمة جدًا، لكنه غير محظوظ، فإصاباته كثيرة، كما أنه يعاني أزمة في التنفس ولا أحد يعلم بها، وسينجح بعد الاعتزال أيضًا».

كذلك زيزو، بادلها نفس الود وقال عنها بحماسة رسمت وجهه في إحدى اللقاءات: «مى إنسانة جميلة ورقيقة، أى راجل في العالم يتمنى أن تكون معه مي عز الدين» .

بعيدًا عن مى، كان زيدان منذ شبابه عاشقًا لذواتي العيوان الزرقاوين، وكانت الشقراء الدانماركية الجميلة «أشتينا» أول من جعلت قلبه يتراقص، فدخل معها في علاقة من 2006 تُوجت إلى ارتباط رسمى في 2010، وأنجب منه آدم، الذى مثل علامة تحول في حياته، وربما كان سببًا في عدم اكتمال قصة الحب المصرية.

آشتينا، تلك الفتاة التى تخطف الأنظار أينما ذهبت، ارتبطت بـ«زيدان» أكثر بعد علمها بعلاقته مع مي، أصبحت ترافقه في زياراته إلى القاهرة، وجعلت تعلقه بابنه رابطًا أساسيًا، جعله يصرف النظر عن خوض تجربة زواج جديدة.

للصغير آدم مع زيزو حكايات جميلة، أبرزها حدثت حينما كان لاعبًا في ماينز: «قبل أن يتمم عامه الثاني كان آدم مع والدته في الفندق الخاص بفريقى ماينز قبل المباراة، رأيته يترك الكرسى الذى يستند إليه ويمشى للمرة الأولى في حياته، فكانت سعادتي لا توصف، فاحتفلت بوضعى ببرونته في فمي بعد تسجيلي لهدف في هذه المباراة».

جدت احتفالات زيدان في تلك الفترة غضبًا جماهيريًا في مصر، إذ تزامن ذلك مع سقوط شهداء ثورة 25 يناير، لكن زيدان رد بأنه طلب من فريقه ماينز حينها أن يقفوا دقيقة حداد على أرواح الشهداء المصريين، وأن فرحته كانت من أجل ابنه فقط.

وبعد أزمته مع فريقه الإماراتي، كان زيدان حالمًا باختتام مشواره مع الأهلى، بحثًا عن قصة ارتباط جماهيرى تمنحه ما سلبه الإعلام على مدار سنواته الطويلة، لكنه لم يفلح في ذلك، فعاد إلى أوروبا يواصل صناعة مجده الشخصى وسعادته الخاصة لحين إشعار آخر، فهل يأتى يوم نعرف فيه كيف نستفيد من زيدان، «القصة» و«الشخص»؟