رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

أمير المحترفين.. مشوار هاني رمزي من ملعب الكنيسة لـ"أول السائرين ‏على طريق العالمية"

الكابتن

يعد هانى رمزى واحدًا من أفضل اللاعبين الذين نجحوا فى تجربة الاحتراف الأوروبى، فقد كان تألقه فى الدورى الألمانى واستمراره لأكثر من ١٥ سنة به، بمثابة الانطلاقة ‏الحقيقية لاحتراف اللاعبين المصريين فىالعصر الحديث. «رمزى» الذى قاد المنتخب الأوليمبى للصعود إلى أوليمبياد لندن ٢٠١٢، بات بين المرشحين لتولى مهمة المدرب ‏العام للفريق الوطنى مع المكسيكى خافيير أجيرى، وفى هذا التقرير نُلقى الضوء على تجربة حياة النجم الكبير، وكيف صنع نجوميته، التى حافتها المخاطر فى بدايتها.‏

والده أراده قسيسًا.. ووصل إلى المنتخب رغم «انسى إنت مسيحى»‏ 

فى ساحات «عابدين»، لعب هانى رمزى الطفل كرة القدم للمرة الأولى فى حياته، وظل مع جيرانه الأطفال يمارس هوايته المفضلة، ولما برزت موهبته ولمح الكثيرون نبوغ الطفل الأسمر وبراعة ‏مهاراته، نصح الأهالى والده بضرورة رعايته والوقوف خلفه ليكون لاعبًا مهمًا فى تاريخ مصر.‏

استمع الأب لنصيحة الجيران والأصدقاء وقرر أن يُلحق الولد الصغير بأحد الأندية وألا تظل ممارسته كرة القدم مرتبطة بحوارى وشوارع عابدين تارة أو داخل الكنيسة تارة أخرى. كان الأب يُعد الطفل ‏الصغير ليكون قسيسًا فألحقه بفريق إعداد الخدام بالكنيسة، ولم يكن يتخيل أنه سيُطلق سراحه من أجل أن يصبح أول محترف مصرى ناجح فى ملاعب أوروبا، إلا عندما بادرته فكرة إلحاقه بقطاع الناشئين ‏فى النادى الأهلى.‏

ذهب الأب والابن إلى مقر الأهلى، وخضع الناشئ للاختبار، ومر الأمر بسلام، وسط مخاوف كثيرة، خشية الاستبعاد بسبب الهوية الدينية، فى وجود بعض المدربين المتعصبين دينيًا.‏

يحكى «رمزى» عن مواقفه مع العنصرية داخل قطاع ناشئى الأهلى فيقول: «عندما كنت لاعبًا فى فريق ١٧ سنة، جاءنى رجل وقال لى ابعد عن الأهلى، لن تصعد للفريق الأول لأنك مسيحى». ‏ويتابع: «لم أر عنصرية فى الأهلى، لكن تخوفت فجلست فى بيتى أسبوعًا، وبينما أراد هذا الرجل نقلى إلى نادى الترسانة، كان اهتمام مسئولى القطاع بالأهلى منقذًا لى، وأعادنى لبيتى قبل انطلاق رحلة ‏الاحتراف».‏

مر هانى رمزى بسلام، ولم تفلح عمليات الشحن والحرب النفسية التى يتعرض لها كثير من الأطفال المسيحيين فى الملاعب بسبب الثقافة والتنشئة -وفق ما يقول- حتى أصبح لاعبًا بارزًا ومؤثرًا فى ‏صفوف المنتخب، منذ ١٩٩٠، رغم صغره وقتها «٢١ سنة».‏

كان هانى رمزى الشاب الصاعد بقوة ذو البشرة السمراء والملامح الرقيقة والشعر الناعم، هو فتى الأحلام الجديد، الشاب الذى تنظر إليه المشجعات بعيون لا يهمها كرة القدم ولا يشغلها سوى وسامته، ‏حتى جاءت لقطة تثليثه بالصليب فى افتتاح مشوار «الفراعنة» بكأس العالم ١٩٩٠ بمثابة الصدمة التى نالت من أحلام وأمانى تلك المعجبات.‏

يقول رمزى: «قبل هذه اللحظات لم يكن أحد يعرف أننى مسيحى، لكن الوضع لم يتبدل بعدها، بل صرت لاعبًا أكثر نجاحًا». رغم انتقاله من عابدين، ورحلاته التى جابت أوروبا وإفريقيا، وحياته الجديدة ‏التى طالتها الرفاهية والترف، إلا أن عابدين تظل القطعة الجميلة التى سكنت قلبه ولا يمكن أن يغادرها -كما يقول- وما زال زائرًا دائمًا لأهل منطقته، الذين يعشقونه ويحبونه، ويحافظ على صداقاته القديمة.‏

فى فترة ليست ببعيدة، يحكى رمزى أن أهالى منطقته طلبوا منه أكثر من مرة أن يترشح للانتخابات البرلمانية، واستغلال مكانته البارزة فى المجتمع، لكنه رفض وامتنع، لأن السياسة ليست هدفه، ولأنه ‏مشغول بكرة القدم ودهاليزها، فلا يحب أن يقوم بأى عمل آخر غيرها.‏

الصليبى يعطل مسيرة ابنه فابيو.. وزوجته مانولا حبه الطليانى الأول والأخير 


رغم توليه مسئولية تدريب أكثر من نادٍ، إلا أن مشروعه الخاص الذى تمثل فى «الأكاديمية الألمانية لكرة القدم» بمدينة نصر، هو أكثر ما يشغله ويحُبه «رمزى». ‏

يهوى هانى رمزى رعاية المواهب، ويكون فى غاية السعادة بقضاء الوقت وسط الأطفال ومداعبتهم واللعب معهم.‏
داخل أكاديميته تجد المهرجانات والكرنفالات، يستقبل رحلات مدرسية، وأخرى لمراكز الشباب، يُقيم المسابقات، ويشجع الأطفال على التنافس وممارسة الرياضة بشكل علمى سليم.‏

وخلال إحدى المناسبات، التى تواجد بها «رمزى» لمدة ٤ ساعات داخل الأكاديمية، لم يكل أو يمل من استقبال «الباصات»، ومن رغبة الأطفال فى التصوير معه، يذهب لهذا ويعود لذاك، والجميل أن ‏غرفته مليئة بالهدايا البسيطة، فما من أحد يزوره من الأطفال إلا ومنحه هدية موقعة باسمه.‏

هكذا وجد «رمزى» متعته بعد الاعتزال، ورغم انشغاله بأعمال أخرى ومشاريع أهم، إلا أنه وفق ما يروى، يعشق الأطفال ويقضى أسعد أوقاته معهم.‏

أما عن الهوايات الأخرى، فهانى رمزى مولع بسماع الأغانى والموسيقى الغربية، ويعشق القراءة، كما أنه محب للتعلم والتطور، وزيادة الوعى، خاصة فى مجال كرة القدم.‏

يلعب نجل هانى رمزى «فابيو» فى قطاع ناشئى الأهلى، وقارب عمره الـ١٨، لكنه لم يكن محظوظًا عندما أصيب بقطع فى الرباط الصليبى، هو و٧ من زملائه داخل ناشئى الأهلى بموسم واحد، قبل ‏سنتين، كما روى «رمزى»، بحسرة كبيرة. ‏

‏«رمزى»، كان وما زال حالمًا بأن يرى نجله «فابيو» لاعبًا محترفًا، يسير على خطاه، ويحقق ما لم يحققه هو، ويلقى نجله إشادات وإجماعًا كبيرًا داخل القطاع بالأهلى، على موهبته التى ورثها عن ‏والده. ‏

لـ«فابيو» ووالدته «مانولا»، تلك الفتاة الإيطالية الجميلة التى تعرف عليها «رمزى» قبل عام ٢٠٠٢ وترجم قصة حبهما لزواج، مكانة خاصة فى قلب هانى رمزى، جعلته يقضي معهما أجمل الأوقات.‏

ويستطيع أن يخبئ أمام زوجته حالة غضبه وثورته من الطريقة التى تُدار بها كرة القدم المصرية، بعدما فشل أكثر من مرة فى توصيل رسالته وتقديم أكثر من تجربة أوروبية للإسهام فى النهوض بالكرة ‏المصرية، لكن الأمل عاد يراوده من جديد بعد طرح اسمه بقوة ليكون مساعدًا لـ«أجيرى»، فهل يعود مرة أخرى؟.‏