رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

العفيجى.. هل طارق حامد مفيد للمنتخب؟

طارق حامد
طارق حامد

عندما جاء مستر هيديكوتى، المدير الفنى لجيل الأهلى الذهبى، فى سبعينيات القرن الماضى، بالنجم السودانى محمد عبدالمنعم «شطة» لاقى اعتراضات كبيرة من قبل اللاعبين. يروى رفاق «شطة» فى هذا الجيل، الذى ضم أسماء كبيرة مثل حسن حمدى ومحمود الخطيب ومصطفى عبده، أنهم تعجبوا كثيرًا من اهتمام الخواجة به: «لاعب لا علاقة له بالمهارة، لا يجيد فنون اللعبة، لا يراوغ، يمرر لمن يجاوره فقط، ولا يجيد أى شىء مميز يجعل الخواجة يهتم به بهذه الطريقة». عندما سأل نجوم الأهلى مدربهم عن سر اهتمامه بهذا اللاعب السودانى، وما يراه مميزًا فيه فاجأهم بأن هذا اللاعب نوعية جديدة، مهمتها استقطاع الكرات فقط، فاقتنع نجوم الأهلى بدور زميلهم الجديد، وأصبح «شطة» أول «مفسد هجمات» فى الكرة المصرية، لاعب لا يفعل أى شىء سوى الضغط القوى على الخصم ومساعدة فريقه فى استرداد الكرة سريعًا، تمامًا مثلمًا يفعل الآن طارق حامد وحسام عاشور، آخر من لمعوا فى هذا المركز.



نموذج «مفسد الهجمات» أصبح الغالب.. ولاعبوه يرفعون شعار: «لا أراوغ لا أمرر لا أسدد»

تحول «شطة» إلى نموذج فى الكرة المصرية وأصبح جميع الفرق تمتلك «مفسد هجمات»، وبدأ هذا المركز يكتسب شعبية وجماهيرية، وصار اللاعبون الذين يؤدون هذا الدور «نجوم شباك» والأقرب إلى قلوب جماهيرهم، خاصة وقت الانتكاسات والهزائم، لأن ما يؤدونه من أدوار دفاعية ومعدلات جرى عالية تجعل الجميع يراهم «مقاتلين»، حتى لو كان هذا القتال دون نتاج يُذكر.

مع خروج مصر من بطولة كأس الأمم الإفريقية، لم يلق أى لاعب فى المنتخب المصرى دعمًا جماهيريًا باستثناء حارس المرمى محمد الشناوى، وطارق حامد، ونال الأخير قدرًا كبيرًا من الإشادات التى ذهبت تمتدح روحه وقتاليته.. لكن هل نموذج طارق حامد هو الأمثل؟.

دائمًا ما يترحم الجمهور المصرى على «جيل حسن شحاتة»، ويتساءل: أين الكرة الجميلة؟ أين الاستحواذ و«التقسيم» على البرازيل؟ أين مراوغات «زيدان» وتمريرات «تريكة» وتسديدات «عبدربه» و«شوقى» وذكاء «متعب» وحسم «زكى»؟

فى هذا الجيل كان حسام عاشور هو أشهر لاعب وسط، والأكثر مشاركة مع ناديه الأهلى فى البطولات المحلية والإفريقية، لكنه لم ينضم إلى أى معسكر للمنتخب فى ولاية «شحاتة»، وسط غضب جماهيرى كبير.

استعان «شحاتة» مرات بـ«حسن مصطفى»، حتى إنه جاء بـ«حسين على» وأحمد شعبان من بتروجت، ومر على كل لاعبى الوسط، لكن أبدًا لم يفكر لحظة فى أن يأتى بـ«عاشور».. أتعرفون لماذا؟ لأنه أراد أن يلعب كرة القدم، لا أن يطاردها.

عندما جاء «جاريدو» إلى تدريب الأهلى ووجد اهتمامًا كبيرًا داخل النادى بأدوار «عاشور»، تعجب كثيرًا وانتقده بشدة فى التدريبات، بسبب أدائه السلبى عندما يمتلك الأهلى الكرة، وقبل أن يرحل المدرب الإسبانى ترك جملته الشهيرة عن «عاشور»: «أول مرة فى حياتى أرى لاعب وسط لا يسدد على المرمى».

التسديد ليس فى قواميس حسام عاشور وطارق حامد وأمثالهما، والمراوغات بالنسبة لهم «حرام»، والتمرير البينى أو الباص الطولى «رجس من عمل الشيطان»، فهذه الأمور لا علاقة لها بكرة القدم التى يعرفونها، هم يلعبون فقط من أجل مطاردة صاحب الكرة.

باتت هذه النوعية والعقلية هى العبء الأكبر على الكرة المصرية.. وسط ملعب دون ابتكار، جميع لاعبيه موظفون، يتراصون من أجل الجرى وراء الكرة، يمررون لأقرب لاعب، لا يجيدون التصرف فى المناطق المزدحمة، ولا حتى غير المزدحمة.

وسط غانا والجزائر «الأمثل».. ونحتاج العودة لسياسة «المعلم»: «نلعب الكرة لا نطاردها»

على الجانب الآخر من عالم كرة القدم فى «كان ٢٠١٩»، كنا على موعد مع لاعب الارتكاز العصرى الذى يناسب تطورات كرة القدم، وحداثة تكتيكاتها، التى رمت خلف ظهرها أفكار السبعينيات.

رأينا لاعبين لديهم مقومات كرة القدم الشاملة حقًا، يعرفون كل شىء عن اللعبة، ولا يفتقدون أيًا من فنونها.

فى غانا، شاهدنا مبارك واكاسو، لاعب الارتكاز النموذجى، أمام تونس استقطع الكرة أكثر من ١٠ مرات وأفسد قرابة ٦ فرص واعدة.. هل تعتقدون أنهم يصفونه هناك بـ«العفيجى»؟

لا.. لأنه يفسد الهجمات بذكائه، بالتوقع الرائع، يقرأ أين سيمرر الخصم، وأين يريد الخصم المرور بالكرة، يعرف التوقيت المثالى للتدخل وزاوية التحرك.. هو «يقطع كرة القدم بالعقل»، تماما مثلما قال «جوارديولا» عن «ميسى» فى بداية شبابه، إنه حينما يدافع فهو أذكى من يقطع الكرات من الخصم.

«واكاسو» لا يكتفى بتلك الأدوار، لكنه اللاعب الذى أرسل ٧ كرات طولية من حول منتصف الملعب إلى الثلث الأخير من ملعب الخصم بينها فرصتا تهديف مؤكدتان أبرزها لقطة جوردان أيوه على الـ٦ ياردة والتى ضاعت بغرابة شديدة.

يذهب على الأطراف ليرسل الكرات العرضية، وفى هذه المباراة له أكثر من ٨ عرضيات. بحكمته يتحكم فى «رتم» المباراة، ويحدد بوصلة اللعب يمينًا أو يسارًا، يعرف كيف يحتفظ بالكرة، لو ضغطت عليه بـ٣ لاعبين لا يفقدها، ولا يصيبه الرعب عندما يواجه ضغط الخصوم عليه مثلما حال «عاشور» و«حامد».

إذا وجد نفسه فى موقف لاعب ضد لاعب يُجيد المراوغات، وإذا رأى مناطق الخصم يتحول إلى مدفع فى التسديد.

هكذا هو لاعب الارتكاز العصرى، يلعب كرة القدم، ويزود فريقه ويكون الأبرز، وعندما يخسر ويودع فهو «مان أوف ذا ماتش».

بكى «واكاسو» وهو يغادر البطولة، لكن الحقيقة نحن من يجب أن نبكى على خسارة مشاهدته ثانية، وعلى حالنا الذى يمجد نوعية «حامد» و«الننى» ولا يرى «واكاسو».

مع الجزائر أيضًا لم يكن رياض محرز ولا بغداد بونجاح بجماهيريتهما وشعبيتهما الطاغية فى الوطن العربى نجمى الفريق، بل فاجأنا إسماعيل بن ناصر، لاعب الوسط، بتقديم أفضل الأدوار وخطف الأنظار من الجميع.

«بن ناصر»، لاعب أمبولى الإيطالى، كان هدف «إى سى ميلان» قبل انطلاق «الكان»، رصد الفريق العريق قرابة ١٠ ملايين دولار لضمه، لكنه الآن بات مطالبًا بدفع قرابة ٢٠ مليون دولار للفوز بالصفقة، لأن أرسنال ودورتموند دخلا الصراع عليه.

عندما يكون الجزائر أفضل فريق فى «الكان»، وعندما يمتلك أقوى هجوم من حيث عدد تسجيل الأهداف، ومع هذه المعطيات الهجومية الكبيرة تجد لاعب ارتكاز هو أفضل اللاعبين، إذًا هناك شىء غريب وعمل مختلف عن الارتكاز النمطى الذى عايشناه ونعايشه هنا إلى الآن فى مصر.

«بن ناصر» لاعب يدافع بقوة، وأكثر اللاعبين حصولًا على الكرة من الخصم، ومع ذلك هو أبرزهم فى صناعة اللاعب، وأكثرهم إيجابية على المرمى.

فى الثلث الأخير من الملعب أكثر من يفسد الهجمات، وفى الثلث الأمامى أكثر من يصنع الفرص.

أمام غينيا صنع هدفًا بطريقة مثالية تنم عن كونه موهبة استثنائية، ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن تعتقد أن من قام بهذه اللعبة هو لاعب وسط بالأساس، بل بين أفضل صناع اللعب والمهاجمين. تسلم الكرة من رمية تماس، وحول ٣ مدافعين لا تعرف كيف هرب منهم وظهره لهم، كيف عبر من بينهم وكيف مرر الكرة لـ«محرز» بالإحساس فى أقصى الزاوية الأخرى.

لذا ليس غريبًا أن يحصل على أفضل لاعب فى المباراة مرتين، إحداهما أمام السنغال، وكان بإجماع الخبراء هو أفضل لاعبى دور المجموعات. علينا إعادة النظر لكرة القدم من حولنا، لم يعد هذا زمن «شطة» و«عاشور» و«حامد»، نريد الانتصار لنظرية حسن شحاتة: «نحن فى حاجة إلى من يلعب كرة القدم لا من يطاردها».

لاعب الوسط هو بالأساس عقل الفريق، فكيف يرتبك وهو يتسلم الكرة؟ كيف لا يجيد التمرير إلا إذا كان اللاعب بجواره على بعد ٣ أمتار؟ كيف لا يسدد ولا يصعد للأمام؟.

نريد مهاجمًا عصريًا لا يكتفى بأدوار «المحطة»، كفانا «مهاجمى صندوق»، كفانا «مروان» و«كوكا» وأنصاف المهاجمين، أصبحنا فى حاجة إلى بغداد بونجاح، وجوردان أيوه، أصبحنا فى حاجة للمهاجم الذى يتواجد على الطرفين وكأنه جناح، يتسلم الكرة من الخلف وكانه صانع ألعاب، يكسب السباق البدنى على الطرف وكأنه ظهير قادم من الخلف بسرعة الصاروخ.. ببساطة شديدة نحن فى حاجة لتعزيز نموذج حسنى عبدربه فى وسط الملعب، ومحمد زيدان فى الهجوم.