رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
محمد الباز

شفرة الـ16..كيف يفوز الفراعنة على جنوب إفريقيا؟

منتخب مصر
منتخب مصر

يدخل منتخب مصر اختبارًا قويًا، غدًا، عندما يلتقى منتخب جنوب إفريقيا فى منافسات دور الـ١٦، بعدما نجح «الأولاد» فى حجز بطاقة الصعود لوقوعه ضمن قائمة أفضل المنتخبات أصحاب المركز الثالث.

ما الصعوبات التى تنتظر الفراعنة؟ وكيف نتغلب عليها؟ وما طريقة لعب الخصم؟.. هذه وغيرها من التساؤلات تُجيب عنها «الدستور» فى التقرير التالى.


الهجوم والضغط المتقدم ليس فى صالح المنتخب.. والخصم يرتبك أكثر عندما يستحوذ على الكرة

تطالب أصوات كثيرة من مشجعى منتخب مصر وبعض الأصوات الإعلامية بلعب كرة هجومية، تعتمد على الضغط المتقدم، لكن هل هذا الخيار هو الأفضل لـ«الفراعنة» أمام جنوب إفريقيا؟
لكى أجيبك عن السؤال أود أن أذكرك بأن البرازيل فازت على الأرجنتين فى قبل نهائى «كوبا- أمريكا» دون أن تلجأ للكرة الهجومية والضغط المتقدم، بل تركت الاستحواذ للأرجنتين تمامًا.
سدد ميسى وأجويرو فى العارضة، وهدد لوتارا مارتينيز ورفاقه مرمى «السيليساو» كثيرًا، لكن النتيجة النهائية هى عبور البرازيل إلى النهائى وتوديع الأرجنتين البطولة.
لم تتحدث الصحافة البرازيلية عن غياب الكرة الهجومية، ولم يقل أحد نحن اعتدنا على هوية كرة القدم الجميلة، ولم ينشغل أى مواطن برازيلى سوى بالانتصار، والاحتفال، والترقب للكرنفال الكبير فى النهائى.
هذه هى مدرسة البرازيل، أم كرة القدم، وصانعة السحرة الذين أبهروا العالم على مدار عشرات السنين.
أردت من هذه المقدمة التأكيد على شىء مهم للغاية هو أن: «للبطولات المجمعة فلسفة كروية خاصة».
فى البطولات المجمعة الخسارة لا يمكن تعويضها، وإتاحة المساحة للخصم قد تكلفك الكثير، والأمر لا يتطلب منك أن تكون الأفضل والأكثر مهارة؛ لكى تكون الملك المتوج.


تحتاج البطولة إلى أن تكون أذكى فى قراءة المباراة، وتعرف كيف تخطف الفوز تلو الآخر، حتى لو لجأت إلى طريقة مملة وسخيفة كما يقولون عن كرة القدم الدفاعية.
يمتلك البرازيل كوتينيو وفيرمينو وخيسوس وآرثر ميلو وألفيش وغيرهم من الأساطير، ولكنه يلجأ للدفاع، بينما نحن هنا نسأل مستنكرين: «أين الننى؟.. لماذا لا يهاجم؟».
فى النسخة الحالية من أمم إفريقيا تمجيد غير مبرر لأداء المغرب، رغم أنه فاز على ناميبيا المتواضع بهدف جاء عن طريق الخطأ قبل النهاية بثوان قليلة، ولم يتمكن من صناعة الخطورة على مدار ٩٠ دقيقة.
فاز على جنوب إفريقيا أيضًا بكرة ثابتة بعد الدقيقة ٩٠، واعترف مدربه بأن فريقه كان سيئًا، وظهر المغاربة بشكل جيد فى مباراة وحيدة أمام كوت ديفوار، تعرف لماذا؟ لأن المغرب ترك الاستحواذ ولعب على المرتدات، فخلق المساحات لمهاجميه وزاد عدد مرات وصولهم لمرمى الخصم، لذا علينا أن نتفهم لماذا يتوجب علينا ألا نسعى للاستحواذ والتقدم والاندفاع.
أداء «الفراعنة» أمام جنوب إفريقيا لن يختلف كثيرًا عما شاهدناه أمام أوغندا أو الكونغو أو زيمبابوى، علينا أن نلعب بتوازن بين الدفاع والهجوم، وأن نحافظ على هدوئنا، وأن ننتظر أخطاء الخصم، وألا نترك له المساحات فى خطوطنا الخلفية، هذه هى فلسفة الأدوار الإقصائية.
سبق لستيوارت باكستر، المدير الفنى للمنتخب الجنوب إفريقى، أن قال فى المؤتمر الصحفى عقب مباراة فريقه أمام ناميبيا: «نحن لا نجيد الهجوم فى المساحات الضيقة».
وهو ما حدث بالفعل فى هذه المباراة، عندما وجد منتخب جنوب إفريقيا خصمًا يتكتل فى الثلث الأخير مثل ناميبيا عانى كثيرًا كى يسجل، لذلك يحب «باكستر» أن يواجه الخصم الذى يخطف منه الاستحواذ ويترك له المساحات فى الخطوط الخلفية كى ينقض عليها ويسجل.
هذه هى العقلية التى يفكر بها مدرب جنوب إفريقيا، صنع صعوبات كبيرة جدًا لكل من كوت ديفوار والمغرب، ولم يخسر أمام الأخير سوى بكرة ثابتة بعد ٩٠ دقيقة معاناة.
الضغط المتقدم فى مثل هذه المباريات غير مطلوب، علينا التأنى واستدراج الخصم ومنحه فرصة امتلاك الكرة والتحضير قبل منتصف الملعب.
علينا أن نجعله يطمع فى التقدم لنحصل على المساحات فى خطوطه الخلفية، وهنا ستتاح الفرصة لاستغلال سرعات «صلاح» و«تريزيجيه»، وستكون المباراة سهلة وفى المتناول، فقط بعد أن نسجل الهدف الأول.
أما إذا بحثنا عن امتلاك الكرة طوال الوقت، والتحضير من المناطق الخلفية وإجبار الخصم على البقاء فى منطقة مرماه، فسنقدم له خدمة عظيمة يبحث عنها، وسنساعده على غلق المساحات أمام مهاجمينا، وسنعطيه فرصة تنفيذ مرتدات مباغتة ضدنا.
دفاع الفريق المنافس ضعيف وشارد الذهن.. والكرات العكسية أسهل طرق تسجيل الأهداف
ماذا عن التفاصيل الفنية لجنوب إفريقيا؟
هو منتخب لا يجيد التصرف أثناء الاحتفاظ بالكرة، و٣٠٪ من تمريرات لاعبيه خاطئة، حدث ذلك أمام المغرب وكوت ديفوار فى دور المجموعات، وهو ما يعنى وجود أفضلية لـ«الفراعنة» على مستوى التحول من الدفاع إلى الهجوم، وتنفيذ المرتدات السريعة بعد قطع الكرة أو فقدان الخصم لها نتيجة التمرير الخاطئ.
يعانى منتخب جنوب إفريقيا من وجود ظهيرين ضعيفين لا يجيدان التغطية العكسية، هما تامساكنا مخيزى، وسفيسو هالانتى، وهو ما يعنى ضرورة استغلال سوء تمركزهما وفقدانهما التركيز فى عملية التغطية، بتحول محمد صلاح إلى العمق بشكل متكرر طوال أحداث المباراة للعب دور المهاجم الثانى مع مروان محسن.
أيضًا نحتاج إلى السرعة والدقة فى التمرير عند قطع الكرة فى الوسط، لسنا بحاجة إلى تحضير بطىء وتدوير للكرة، علينا التمرير بسرعة وبدقة إلى الأمام.
غالبًا سيعتمد «باكستر» فى المباراة على كثافة عددية فى وسط الملعب، والدفع بثلاثى ارتكاز هم: كاموهيلو مكوتجو، وثيمبا زوانى، وبونجانى زونجو، ورغم أن المنتخب الجنوب إفريقى فى هذه الطريقة يخلق صعوبات كبيرة أمام «الفراعنة» ويصنع ما يشبه ساترًا فى منتصف الملعب، لكن بمقدورنا استغلال المساحات وصناعة الفرص من التمركز فى المنطقة بين خط دفاعه ومنتصف ملعبه.
هنا تظهر أهمية صعود عبدالله السعيد للتمركز فى هذه المساحة، على «أجيرى» أن يكلفه بالتمركز خلف ثلاثى ارتكاز جنوب إفريقيا ويعفيه من مهمة طلب الكرة فى الثلث الأخير من الملعب، حتى لا نعانى هجوميًا، وحتى نتمكن من خلق الحلول وإيجاد الفرص للوصول إلى مرمى الخصم.
كذلك لا يمتلك منتخب جنوب إفريقيا أطرافًا قوية، وهو ما يعنى أن بإمكان «الفراعنة» استغلال تقدم أحمد المحمدى فى الجهة اليمنى، خاصة أن الخصم يركز كثيرًا فى عمق الملعب ويسعى دائمًا لتحقيق الزيادة العددية فى الوسط، لذلك ستكون الكرات القطرية والطولية من محمد الننى و«السعيد» طريقة فعالة لاستغلال المساحات على الأطراف، وسيكون ذكاء «المحمدى» وأيمن أشرف فى اختيار توقيت الصعود لاستقبال الكرات العكسية محددًا رئيسيًا لخلق الفرص، كما أن الكرات العرضية واحدة من أهم الأسلحة التى يجب الاعتماد عليها فى هذه المواجهة.
ماذا عن هجوم الخصم؟
منتخب «الأولاد» ضعيف جدًا هجوميًا، سدد مرة واحدة أمام المغرب، ومثلها أمام كوت ديفوار.
معاناة شديدة يجدها «باكستر» من أجل خلق الفرص لمهاجميه، عندما يمارس خصومه ضغطًا محكمًا عليه فى الوسط ويضيقون عليه المساحات فى الثلث الأخير.
أما على مستوى الخط الأمامى لجنوب إفريقيا فلا يوجد لدى «باكستر» أى لاعب مميز لديه الحلول الفردية، أو الابتكار، وحسن التصرف فى موقف واحد ضد واحد.
فقط الخطر الوحيد لدى «الأولاد» يتمثل فى جوكر الفريق بيرسى تاو، اللاعب الذى شارك فى كل المراكز الهجومية خلال المباريات الثلاث فى مواجهات دور المجموعات.

«تاو» هو اللاعب الوحيد الذى يمتلك القدرة على الاحتفاظ بالكرة والتحكم بها، ولديه الحلول الفردية فى موقف واحد ضد واحد. وسبق لـ«باكستر» أن استخدمه فى الجهتين اليمنى واليسرى لصناعة اللعب من العمق، وكذلك فى مركز رأس الحربة الصريح.
يكون «تاو» فى أخطر حالاته عندما يمتلك حرية التحرك، وعندما يتم توظيفه كرأس حربة ثانٍ يميل إلى الخلف بأمتار قليلة تحت المهاجم الصريح موتيبا.
التعامل مع لاعب مثل «تاو» يتطلب تنفيذ ضغط جماعى عليه بحيث يقابله أقرب اللاعبين لحظة تسلم الكرة أو التحرك بها، كما يتطلب يقظة كبيرة من طارق حامد فى المنتصف وأمام منطقة مرمانا، خاصة إذا استخدمه «باكستر» فى الهجوم من العمق، لأن المنتخب الجنوب إفريقى كما أوضحنا يراهن غالبًا على العمق، وعبر الكثافة العددية فى تلك المساحة.
فى المباريات الثلاث الماضية كنا محظوظين بالتسجيل المبكر ثم إيجاد المساحات واللعب بأريحية، لكن غدًا ربما يكون تركيز الخصم أعلى وربما تضيق المساحات، وتتعقد الأمور فماذا نفعل؟
على «أجيرى» التركيز بشكل كبير على الكرات الثابتة، التى أثبتت فاعليتها الهجومية وكانت مفتاحًا مهمًا للغاية للصعود إلى دور الـ١٦ وحسم مباريات دور المجموعات، سنكون فى حاجة إليها إذا تعقدت الأمور غدًا.
كما يتوجب على المدير الفنى لـ«الفراعنة» أن يحسن استغلال التغييرات لإحداث التطوير الهجومى المطلوب، عليه أن يغامر أكثر فى الشوط الثانى إذا تأجل التسجيل، لأن الخصم سيحصل على الثقة الكبيرة فى هذه الحالة، وسنكون بحاجة إلى وقف تقدمه وتخفيف الضغط عن دفاعنا من خلال زيادة الضغط الهجومى على دفاعه بالدفع بأحمد على كمهاجم ثان إلى جوار مروان محسن.